المرتضى من بحمدون في تكريم الشاعر طليع حمدان: يقتضي ان يضاف الى ألقابه أمير الزجل اللبناني وسفير الزَّهْرِ إلى دولةِ الشعر
المرتضى من بحمدون في تكريم الشاعر طليع حمدان: يقتضي ان يضاف الى ألقابه أمير الزجل اللبناني وسفير الزَّهْرِ إلى دولةِ الشعر
أعلن وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى ان “العمل جار لحفظ الزجل على لائحة التراث الحضاري غير الماديِّ الخاضع لحماية منظمة الأونيسكو، وهي مسيرةٌ لا بدَّ من استكمالِها حتى نهاياتِها حفاظًا على هذه الثروة الفكرية اللبنانية التي لا مثيلَ لها في أصقاع الأرض كلها.”
وقال: “هذا يحتّم على المجتمعِ الأهلي كما البلديات والجمعيات، مسؤولية جمع ما يتيسر من هذا التراث المتناثر، ومعظمه غير مكتوب، لئلا يضيع على تمادي السنين. إنه واجبٌ وطنيٌّ بامتياز، علينا القيام به كي نحمي تراثنا من النسيان ونقدّمَه حيًّا لأجيالنا القادمة.”
كلام الوزير المرتضى جاء خلال رعايته وحضوره تكريم امير المنبرين الشاعر طليع حمدان بدعوة من اتحاد بلديات الجرد الأعلى – بحمدون في فندق صوفر الكبير، في حضور حشد من فاعليات المنطقة والهيئات الثقافية والاجتماعية ، رؤساء ومجالس البلديات والمخاتير في المنطقة والجوار.
بدأ المرتضى كلامه عن المكرم وقال: “ينزلُ طليع حمدان من الزجل اللبنانيِّ بمنزِلةِ الربيعِ من الفصول، على إختلافٍ بسيطٍ وعميق، هي أنّ الربيعَ ثلاثةُ أشهرٍ أما طليع حمدان فرونقُ شعرٍ دائمُ العذوبةِ على كرِّ الشهور والسنين؛ فإنه منذ ستين عاماً وربما أكثر، ما برح يصدحُ بأجملَ من حناجر الكناريّ، وما برحت قصائدُه تُجْري الماءَ والخضرةَ فوق الأوراق والمنابر، ههنا وفي المهاجر، وإختار أن يطلق على جوقته الزجلية اسم “جوقة الربيع” ولهذه الأسباب (كما نقول في اللغة القضائية) يقتضي أن يضاف لقبان آخران الى القاب طليع حمدان هما امير الزجل اللبناني و”سفير الزَّهْرِ إلى دولةِ الشعر”.
وأضاف: “موهبةٌ لم تنضَبْ ولم تتعب. كينابيعِ هذا الجبل الرقراقةِ التي ترافقُ الشمس من شروقها وراء القمة إلى مغيبِها خلفَ الشاطئ، فلا تتوقفُ عن مسيلٍ،كأنها بخريرِها تُخفِّفُ من وطأة اللهيبِ عن الهضاب والوديان. ولهذا تزخرُ قصائد طليع حمدان بمفردات الطبيعة وصورِها، محاكيًا بجمال الحروف جمالَ لبنان، ومعبّرًا في ذلك عن أصالة الانتماء والتعلق بالأرضِ، ترابِها وتراثِها عزّتها وإبائها، ويحضرني هنا مخاطبته للإسرائيلي:
ولك انضمنتني تينة عسل بتسيل
بدك تضل تحوّش التينية
يا سارق رغيفي بألف جميل
اللقمة الذليلة عم تطعميني
ولك خدها واذا من بعد مية جيل بخليك الله لا يخليني
لما الخفيف يرتاح تحت حمل تقيل
وترتاح رقبتي تحت سكينة
في وقتها مع بنت اسرائيل …..منرتاح يا احباب فلسطينِ
وتابع: “أفتح ههنا قوسين لأتحدثَ في حاشيةٍ صغيرةٍ عن قضيةٍ هي برأيي لبُّ الموضوع، عنيتُ بها التوأمَةَ بين الجبل (جبل عامل وجبل لبنان) والزجل، فكأنهما وُلِدا معًا أو كأنَّ واحدهما خُلِق من أجل الآخر. هذا الفن اللبناني بامتياز، من حقِّه أن يسجَّلَ في دائرة الحماية الثقافية، ملكيةً فكريةً خاصًّة بالجبل، لأنه نشأ على أفواه القرويين، وتبرمجَ على مواقيتِ مواسمهم، وكان الناطق بكل أحوالهم وسجلَّ ذكرياتِهم الخاصة والعامة، بل ربما كان لسان التخاطب اليومي بينهم في أحيانٍ كثيرة، بخلاف سكان المدن الكبيرة حيثُ كان عدد شعراء الزجل بينهم قليلًا على الإجمال.”
واعتبر أن “سببَ ذلك هو الاندماج الكليُّ بين الشعر الطبيعي والطبيعة الشاعرة. هكذا كلما اقتربنا من الأرض وجدنا أنفسنا أكثرَ التصاقًا بالعفوية والسليقة والجماليات التي تتفجر منهما. لكن شعراء الزجل اللبنانيين حوَّلوا العفوية إلى فنٍّ جميل له أبعادُه ومقاييسُه، وله أيضًا مجالات حواره الفكريّ وقواعد التباري فيه، دفاعًا وهجومًا، فكأنهم حين يشرعون في نقاشاتهم المنبرية يطبقون دعوة القديس بولس: “تنافسوا في المواهب الفضلى”.
وتابع وزير الثقافة: “التوأمة بين الجبل والزجل، هي نتاج العهدِ الذي أبرمه لبنان بينهما. لذلك نحن في وزارة الثقافة، نعمل دائبين على حفظ الزجل على لائحة التراث الحضاري غير الماديِّ الخاضع لحماية منظمة الأونيسكو. مسيرةٌ لا بدَّ من استكمالِها حتى نهاياتِها حفاظًا على هذه الثروة الفكرية اللبنانية التي لا مثيلَ لها في أصقاع الأرض كلها.”
ولفت الى ان “هذا يحتّم على المجتمعِ الأهلي كما البلديات والجمعيات مسؤولية جمع ما يتيسر من هذا التراث المتناثر، ومعظمه غير مكتوب، لئلا يضيع على تمادي السنين. إنه واجبٌ وطنيٌّ بامتياز، علينا القيام به كي نحمي تراثنا من النسيان ونقدّمَه حيًّا لأجيالنا القادمة. وهذا كنتُ قد قلته بالحرف في مناسبة زجلية سابقة، وإني لأرجو أن تُكَلَّلَ جيعُ الجهودِ في سبيلِه بالنجاح. مع الإشارة إلى ان تطور الوسائل التقنية الحديثة يجعل مساعي حفظ هذا التراث أسهل وأجدى.”
واشار إلى أنَّ احتفالية تكريم طليع حمدان، “واحدةٌ من النشاطات الثقافية التي تؤدي إلى صيانة التراث الزجلي وتمتين حضوره في الذاكرة وعلى ألسنة الناس. لأنه يثبت كلَّ يوم أنه ليس زِيًّا بلديًّا قديمًا عفّى عليه تطورُ العصر. فها هي الجوقات تتجدد وتنمو، وتتابع الرسالة على امتداد المنابر والليالي التي يحتشد فيها محبّو هذا الفنِّ الأصيل. وها أنا اليوم أجد نفسي محاطًا بكوكبةٍ منهم سبقوني إلى قولِ كلِّ جميلٍ في صاحب الاحتفال الشاعر طليع حمدان. لقد أشادوا فيه كما يستحق.”
وخص المرتضى الشاعر طليع حمدان بتحية خاصة لقصيدته عن مجزرة قانا :”لكنني من جهتي أودُّ أن أنوِّه تنويهًا خاصًّا بقصيدته في ذكرى مجزرة قانا، -لا لأنني ابن الجنوب – بل لأننا أنظارنا كلبنانيين يجب ان تكون على الدوام في اتجاه الجنوب في اتجاه ذلك الوحش العنصري الذي زرعه الشر في بلادنا المقدسة والذي لن يفوّت اي فرصة تتسنى له للإنقضاض ليصب جام حقده وغدره علينا، يقول شاعرنا الكبير في آخر قصيدته:
“ورحْ بختصر كلّ الحكي المحبوب وما يضل خلقي ع الشرق طالع
لي بعدو مش مطالع كتاب حروب يا جنوبنا بكتابك يطالع
مجد السما نازِلْ عَلَيْك يدوبْ ومجد الأرض مِنَّكْ إلَكْ طالِعْ
المـَجْدَينْ فيك تجسَّدوا يا جنوبْ من خَصْرَك ونازلْ مجد هالأرضْ
ومجد السّما من خصرك وطالِعْ”
لأقول له في ختام كلمتي: إن مجد الجنوب الذي قصدته هو مجد للبنان وللعروبة وللضميرِ الإنساني.
هنيئًا لك التكريم يا شاعر المنبرين ،وعشتم وعاش لبنان.”
وكانت ألقيت كلمات لكل من رئيس اتحاد بلديات الجرد الاعلى – بحمدون كمال شيا، الشاعرة سامية حداد، الدكتورة سحر نصر، رئيس جوقة العمر الشاعر شربل كاملة ، الشاعر فكتور ميرزا ، الشاعر شوقي شعبان والمكرم الشاعر طليع حمدان .