منيمنة: دولرة الأسعار اجراء تعسفي واجرامي بحق اللبنانيين
طالعنا وزير الاقتصاد أمين سلام مؤخرا بخطوة تسعير السلع وتحديد هامش ربح المستوردين بالدولار النقدي، أو ما يوازيه بحسب سعر الصرف، وهي خطوة، تأتي من ضمن استكمال الحكومة اتجاهها نحو الدولرة الشاملة، في الوقت الذي يتقاضى غالبيّة اللبنانيين أجورهم ومداخيلهم بالليرة اللبنانيّة، وهو ما سيعني تراجع القدرة الشرائيّة بشكل تلقائي مع كل تراجع إضافي في سعر صرف الليرة.
في السياق، نسأل: هل يعلم وزير الاقتصاد والتجارة ومن خلفه الحكومة عند إقرار اي خطوة اقتصادية ما هي تبعاتها على الناس؟ هل يدرك أمين سلام ونجيب ميقاتي أن الاولوية اليوم لحماية الفئات الهشة اقتصاديا والمنعدمة والتي باتت تشكل الاغلبية الساحقة من اللبنانيين؟ ثم هل لحظت الحكومة كيف يمكن أن يستمر هؤلاء؟ كيف يمكن ان يؤمنوا القليل لعائلاتهم؟
وألا يكفي هؤلاء وعموم الشعب اللبناني ما حل بهم بسبب سياسات اجرامية منظمة نهبت البلد وخيراته لحساب قلة حاكمة سياسيا واقتصاديا؟ ألم يكفي الاذلال الذي مورس ضد الشعب اللبناني لثلاثة أعوام كاملة لان الحكومات المتعاقبة لا تريد حلا الا على حساب الناس، ولحماية المافيا الحاكمة؟ الا يكفي كل هذا ليخرج علينا سلام بسياسات اجرامية جديدة لدولرة الأسعار؟
إن هذه الخطوة تعبّر مرّة جديدة عن اتجاه المنظومة السياسيّة لتحميل الغالبيّة الساحقة من اللبنانيّة أكلاف الأزمة الراهنة، وخصوصًا الجانب النقدي منها، بدل العمل على الحلول التي من شأنها توحيد وضبط سعر الصرف.
هذا ونتساءل عن جدوى تسعير السلع وتحديد هامش ربح المستوردين بالدولار النقدي، أو ما يوازيه بحسب سعر الصرف، في حين أنّ هذه الشريحة مازالت تسدد الضرائب والرسوم عند سعر صرف لا يتجاوز حدود ال23% من سعر الصرف الفعلي في السوق. كما نتساءل عن جدوى هذه الخطوة، في حين أن تسديد رواتب معظم العاملين في هذه المؤسسات مازال يتم بالليرة اللبنانيّة، وبغياب أي تصحيح شامل للأجور.
إننا لا نرى في هذا الإجراء سوى حماية لمصالح الفئات الأكثر نفوذًا، والأكثر قدرة على التأثير في قرار السلطة، ولو على حساب سائر الشرائح الاجتماعيّة. كما لم نتفهّم حكمًا حجّة الوزارة، التي اعتبرت أن هدف الخطوة هو ضبط التفلّت في الأسعار. إذ بغياب أي مرجعيّة واضحة لتحديد سعر الصرف الفعلي في السوق، لا يوجد ما يضمن إلحاق الغبن بالمستهلك، من خلال اعتماد سعر صرف مبالغ فيه لتسديد ثمن السلع بالليرة وفقًا لسعر الصرف، بعد دولرة الأسعار.
ومن الجدير الذكر أنه كان بإمكان الوزارة حتمًا اللجوء إلى إصدار جداول متحرّكة يوميّة للأسعار بالليرة، وبما يتناسب مع الكلفة على التجّار، بدل إصدار هذه الجداول بالدولار كما تخطط الوزارة.
ختاما، نعيد التذكير بموقفنا الداعي إلى وضع سياسة نقديّة جديدة متوازنة، تعمل على معالجة الخلل المرتبط بسعر صرف الليرة، وهو ما يفترض أن يتكامل مع سائر الحلول المطلوبة للخروج من الانهيار المالي. ونحن نعلم جيّدًا أنّ التلكّؤ في الدخول في هذا المسار يرتبط بمصالح ماليّة تحرص المنظومة على حمايتها، على حساب جميع اللبنانيين. ولذلك، نعتبر أنّ التسليم بدولرة الأسعار، بغياب أي تصحيح شامل للأجور، لن يعني سوى الاستمرار بضرب نوعيّة حياة اللبنانيين وقدرتهم الشرائيّة، للتملّص من القيام بالحلول الفعليّة.
حذرنا مرارا من مغبة الوصول للدولرة الشاملة، والتي نحمل مسؤولية تبعاتها المستقبلية للحكومة مجتمعة، فخطوة الوزير ليست سوى -ترقيعا- من ضمن سياسات الترقيع الحكوميّ في ظل غياب أو تغييب سياسة إصلاح مالي تضع البلاد على سكة الحل عوض الاستمرار بنهج الانهيار المتعمد.