طلال أبوغزاله : يوجه نداء جديدا إلى الأمة العربية
لعل الدرس الأهم الذي نتعلمه من هذه الفوضى العالمية هو أنه ليس من الحكمة في عالمنا الحاضر، الذي لا نظام فيه، الاستمرار في الحديث عن التنمية المستدامة؛ إذ يقتضي الواجب الوطني أن يتحول كل صاحب قرار إلى أهداف التنمية الوطنية الضرورية.
أقول هذا من منطق المعرفة بحكم مشاركتي في صياغة أهداف الالفية حيث كنت حينئذ رئيس فريق الأمم المتحدة لتقنية المعلومات والاتصالات (UN ICT TF)، والتي كان من المفروض ان تتحقق عام 2015؛ وبعدها شاركت في عام 2015 في صياغة معايير التنمية المستدامة التي تهدف ان يحققها العالم عام 2030، وذلك بصفتي ذلك الوقت رئيس ائتلاف الأمم المتحدة لتقنية المعلومات للتنمية (UNGAID).
ولما أصبح واضحًا عدم تحقيق أهداف الألفية عام 2015 وكذلك استحالة تحقيق اهداف التنمية المستدامة عام 2030، ولم يعد مقبولا ان نغلق عيوننا ونقفل اذاننا عن هذا الفشل العالمي الذريع في تحقيق اهداف التنمية المستدامة لسبب واحد، وهو انهيار النظام العالمي والذي جعلنا نعيش في عالم لا نظام فيه.
وبالتالي وإلى أن ينشأ نظام عالمي جديد وقيادة عالمية تفرض معاييرها، علينا ان ندرك انه قد حان الوقت لأن نتحوّل إلى أهداف التنمية الوطنية الضرورية والتي تتحقق بالاكتفاء الذاتي في الغذاء والدواء والتقنية.
هذا التغير والانتقال يفرضه العقل والضمير والمسؤولية والواجب لأنه الطريق الوحيد لتحقيق المصلحة الوطنية في كل بلد في العالم وعلى قدم المساواة. ولست هنا بحاجه ان أُشير، بصفتي أنني قد شاركت أيضًا ومن على مجلس خبراء المنظمة العالمية للتجارة في صياغة مفهوم “سلاسل التوريد” (Supply Chain) والتي اصبحت هباءًا منثورًا بسبب العقوبات الأحادية التي تفرضها الدول على انتقال المنتجات والخدمات بين الدول، ملغية بذلك هذه السياسة التي كانت تشكل بالنسبة لنا (وأقصد التوريد)، أداة اساسية للتنمية المستدامة حيث أصبح التوريد محكوما بإرادات وقرارات أحادية من بعض الدول.
وهنا أقول ايضا ان من واجبي ان ادعو الى نسيان مبادئ السوق التي توصي بان نستورد ما هو سعره اقل تكلفة بدلا من انتاجه محليا، وان اقول ان هذا المعيار الذي تنادي المنظمات الدولية وخبراء الاقتصاد العالمي أصبح من الماضي. والمعيار الاجدى والافضل لكل دولة هو معيار الاكتفاء الذاتي، ليس فقط لمواجهة عقوبات الحصار بل ايضا لتجنب عقوبات انقطاع سلاسل الامداد.
إن كل دولة في الدنيا مهما كانت إمكاناتها او مواردها قادرة على أن تنتج الحد الأدنى المطلوب لتحقيق الأمن الذاتي في الغذاء الاساسي والأدوية الأساسية والتقنيات الأساسية ضمانًا لاستقلاليتها عن ظلم هذا العالم الذي يحكمه معيار جائر وهو أن “القوة هي الحقيقة” بدلًا من معيار “أن الحقيقة هي القوة”.